وهذا ما يدل حتما على أن الجريمة تنتشر بشكل ملفت للانتباه، بل وإنها تنخر المجتمع المغربي في صمت مطبق لا يسجل أي إجراءات استعجالية في أفق انتشال الأسباب المحورية الماثلة وراء تأجيج الوضع في الحقل التربوي.
لطالما شكل انحراف السلوك، وانتشار الجريمة في المجتمعات العربية أو حتى الغربية حقيقة مستساغة، بالنظر لوجود مجموعة من الاضطرابات التي تؤثر بشكل سلبي ينعكس على سلوك الفرد، لكن الأمر غير الطبيعي، الذي ينحرف عن العرف المنطقي والأخلاقي، الواجب التقيد بكلاهما في أفق صناعة الفرد السوي، والمواطن الذي يصلح المجتمع بصلاح شأنه، هو انتشار الجريمة داخل الحرم الجامعي.
لا يجادل اثنان اليوم حول هذه الظاهرة التي أصبحت تؤرق الرأي العام، وتذهب فلذات الأكباد ضحايا للارتماء في أسرة المستشفيات، جراء العاهات المستديمة المترتبة عن التعرض للاعتداءات، أو يزجون في السجون ويشكلون بذلك الوجه البارز للضحية التي تسلك طريق الجريمة بناء عن سوء وعي وتوجيه.
وإن وفاة التلميذ الذي تعرض لاعتداء بالسلاح الأبيض من قبل صديقه في ثانوية بقلعة السراغنة، جراء تعرضه لضربة قاتلة على مستوى الرقبة بعد امتناعه عن تسريب أجوبة الامتحان الإشهادي للسنة الثالة إعدادي، وتمكين الجاني من عملية الغش، تعتبر مجرد حالة واحدة من ضمن العديد من الحالات التي لا يكتب لها الخروج للإعلام، وإن دل الأمر على شيء فهو يدل حتما على مدى تجدر الجريمة داخل المجتمع المغربي وبالخصوص الحرم التربوي الذي طالته أيدي التطرف والانحراف.
في السياق نفسه، هناك مجموعة من الدراسات والأبحاث التي تسلط الضوء على الأسباب الفعلية التي تؤجج هذا الوضع، وتؤدي إلى انتشار الجريمة داخل الحرم التربوي، ومعظم هذه الدراسات تتواضع بإجماع عند الرأي القاضي بوجود أسباب اجتماعية تتلخص معظمها في الفقر والتهميش.
وتنضاف أسباب غياب التأطير، بالنظر لغياب المؤسسات الكفيلة بتقديم هذا المطلب الأساسي على النهج المطلوب، والأمر يشمل المؤسسات التربوية التي شهدت في السنوات الأخيرة تراجعا ملحوظا على مستوى التربية والتأطير، الأمر الذي يعزى أساسا إلى مجموعة من العوامل.
عدنان الجازولي باحث سوسيولوجي وأستاذ جامعي بكلية علوم التربية بمدينة الرباط، يقول في هذا السياق “بخصوص ظاهرة العنف داخل المؤسسات التعليمية “لا أعتقد أنه أمر جديد. لأننا حين نتحدث عن العنف يجب أن نتحدث عن أنواعه أي العنف النفسي واللفظي والمادي، وهي مستويات أيضا. بمعنى آخر أنواع العنف تخفي كثيرا من الأضرار التي يصعب ملاحظتها بالعين المجردة. الضرب مثلا كعنف مادي نتائجه واضحة لكن العنف النفسي والضغط عبر اللوم والسب فهذه نتائجها تظهر عبر الزمن”.