اخبار المغربمجتمعمستجدات

السكوري وقانونه حول الإضراب هما القشة التي ستقصم ظهر حكومة أخنوش!

الخط :
إستمع للمقال

تثبت حكومة عزيز أخنوش مرة أخرى أنها ليست حكومة إصلاح ولا حوار، بل حكومة فرض وإملاء، حكومة تضع مصالح فئة ضيقة فوق الاعتبارات الاجتماعية، متجاهلةً كل الأصوات المعارضة داخل البرلمان وخارجه، وفي مقدمة هذه الحكومة، يظهر يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، كأحد الوجوه التي تحاول تمرير هذا القانون بواجهة “الإصلاح”، بينما هو في حقيقته مشروع لتكبيل الحق في الإضراب وتقويض الحريات النقابية.

لقد بات واضحا أن هذه الحكومة لا ترى في الديمقراطية سوى إجراء شكلي لتمرير سياسات تخدم أجندات معينة، ضاربةً بعرض الحائط مبدأ التوافق والتفاوض الذي كان يفترض أن يكون جوهر التشريع في قضايا مصيرية كهذه.

إن تمرير القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بالإضراب، وسط رفض نقابي واسع وانقسام داخل المؤسسة التشريعية، يعكس بجلاء أن حكومة عزيز أخنوش لا تملك الأغلبية السياسية الحقيقية، بل فقط أغلبية رقمية تُستخدم كأداة لإقرار القوانين بمنطق فرض القوة وليس عبر الإقناع والتفاوض. فأن يصوّت 84 نائبا فقط لصالح القانون، مقابل 20 معارضا، بينما يختار 291 نائبا التخلف عن الحضور، هو دليل على أن هناك أزمة شرعية حقيقية في طريقة تمرير القوانين داخل المؤسسة التشريعية، حيث يبدو أن حتى ممثلي الأمة باتوا غير معنيين بقرارات الحكومة أو ربما غير مقتنعين بها.

هذا القانون المثير للجدل ليس مجرد محاولة لتنظيم الحق في الإضراب كما تدّعي الحكومة، بل هو قانون يقوّض هذا الحق ويحوّله إلى إجراء شبه مستحيل، من خلال فرض قيود مشددة تمنح المشغلين والسلطات العمومية أدوات للتحكم في قرار الإضراب وإجهاضه قبل أن يبدأ. هذا التوجه ليس سوى جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إضعاف العمل النقابي وتجريد الشغيلة من آخر أدوات الدفاع عن حقوقهم، في مشهد يعكس تحول الحكومة إلى طرف منحاز ضد الطبقة الشغيلة، بدل أن تكون وسيطًا يسعى لتحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية والاجتماعية.

ما قامت به حكومة عزيز أخنوش ليس جديدا في تاريخ الصراعات الاجتماعية، بل هو امتداد لنهج سلطوي استُخدم في دول أخرى عبر تشريعات تهدف إلى تقييد الحريات النقابية وتقليص قدرة العمال على الدفاع عن أنفسهم. ففي فرنسا مثلاً، حاولت حكومات متعاقبة تمرير قوانين تحد من الإضرابات، لكنها اصطدمت بموجات احتجاجات أجبرتها على التراجع أو تعديل مواقفها. كذلك، شهدت دول أمريكا اللاتينية مواجهات عنيفة بين الحكومات والنقابات عندما تم التلاعب بحقوق العمال تحت ذرائع “الإصلاح الاقتصادي”. الفارق بين هذه التجارب وما تحاول حكومة أخنوش فعله هو أن تلك الحكومات وجدت نفسها مجبرة على إعادة النظر في قراراتها تحت ضغط الشارع، بينما يبدو أن هذه الحكومة تراهن على تمرير الأمر بالقوة، متناسيةً أن مثل هذه الاستراتيجيات نادرا ما تحقق الاستقرار.

وفي السياق المغربي، لم يكن الإضراب العام الذي نفذته التنظيمات النقابية مجرد احتجاج عابر، بل كان رسالة سياسية واضحة بأن التوجهات الحكومية الحالية لم تعد مقبولة، وأن الحركة النقابية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات خنق حقوقها المشروعة.

وإذا كانت الحكومة تراهن على تمرير هذا القانون ثم احتواء الغضب الاجتماعي لاحقا، فهي ترتكب خطأً استراتيجيًا، لأن المسألة لم تعد تتعلق بقانون واحد، بل بنهج سياسي كامل قائم على التعالي على مطالب الفئات الاجتماعية، وهو ما قد يدفع إلى موجة احتقان واسعة لا يمكن التكهن بعواقبها.

أما اقتصاديا، فإن القانون الذي تسعى الحكومة لتمريره قد يؤدي إلى نتائج عكسية. فالحق في الإضراب ليس مجرد امتياز يُمنح للعمال، بل هو آلية تضمن تحقيق التوازن داخل سوق العمل، وتمنح الطبقة الشغيلة وسائل للدفاع عن حقوقها الاجتماعية والاقتصادية.

إن تقييد هذا الحق قد يؤدي إلى تفاقم الشعور بعدم الأمان الوظيفي، ما يدفع بالكفاءات المغربية نحو الهجرة إلى بلدان تحترم حقوقهم، وهو ما يضرب في العمق كل الخطط الحكومية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاستثمار. كما أن تقويض العمل النقابي قد يساهم في تعزيز الفوضى داخل سوق الشغل، حيث ستصبح الشركات قادرة على استغلال العمال دون أي رادع، ما قد يؤدي إلى موجات جديدة من الاحتجاجات العشوائية التي يصعب التحكم فيها.

فحكومة عزيز أخنوش التي دخلت بشعار “الدولة الاجتماعية”، أثبتت أنها لا تحمل سوى نسخة مشوهة من هذا المفهوم، حيث تُفرغ الحوار الاجتماعي من مضمونه، وتُفرّط في القدرة الشرائية للمواطنين، ثم تُكمّم أي محاولة لرفض هذه السياسات عبر قوانين مقيدة للحريات النقابية.

ما نراه اليوم ليس مشروع إصلاح، بل هو مشروع هيمنة، حكومة تنظر إلى العمل النقابي كعقبة، وإلى البرلمان كمجرد غرفة تمرير، وإلى المجتمع ككتلة صامتة يمكن التلاعب بها بالإعلانات والشعارات الفارغة.

اليوم، تجد حكومة عزيز أخنوش نفسها في مواجهة مباشرة مع النقابات، ومع فئات واسعة من المجتمع التي لم تعد تثق في وعودها. وإذا كان هناك من يعتقد أن تمرير القوانين بمنطق الأغلبية العددية هو نهاية المعركة، فهو لا يدرك أن الأزمات الاجتماعية لا تُحسم في قاعات التصويت، بل في الشارع، حيث تكون الشرعية الحقيقية لأي سياسة.

والتاريخ السياسي، في المغرب وخارجه، يثبت أن الحكومة التي تتوهم أن السيطرة على التشريع كافية لخنق الأصوات المعارضة، غالبا ما تجد نفسها في مواجهة تصعيد أكبر، يفرض عليها التراجع ولو بعد حين.

فالمواجهة لم تنتهِ بعد، بل قد تكون مجرد بداية لتصعيد أكبر يضع الحكومة وجهاً لوجه أمام الحركة النقابية والحقوقية، في امتحان صعب: إما مراجعة سياساتها، أو مواجهة عواقب نهجها الذي لم يحقق سوى مزيد من الاحتقان والرفض، مما قد يُسرّع بسقوطها تحت ضغط الغضب الاجتماعي المتصاعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى