يبدو أن تبعات وتتمات الزلزال السياسي الذي عصف بعدد من الوزراء من الحكومة السابقة والحالية وعدد من المسؤولين في كافة القطاعات التي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة في الاختلالات التي رافقت تنزيل مشروع “الحسيمة منارة المتوسط”، لن تتوقف على عتبة الرقم 14 المشكل لعدد المعفيين، لكنه سيمتد أكثر ليشمل مسؤولين آخرين يتحسسون اليوم رؤوسهم ويعددون أخطاءهم التي ستعصف بمستقبلهم السياسي، وعلى رأسهم بلا شك إلياس العماري رئيس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، بصفته أحد المسؤولين الرئيسيين في تعثر مشاريع الحسيمة.
هذا الكلام يجد أصله في نص “بلاغ الزلزال السياسي” الذي صدر أمس وأمر فيه الملك “وزير الداخلية بالقيام بالتحريات اللازمة على الصعيد الوطني، بشأن المسؤولين التابعين لوزارة الداخلية بالإدارة الترابية على مختلف درجاتهم.. (ومنه إلى) الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، للانكباب على دراسة وتقييم عمل المجالس الجهوية للاستثمار”، حيث يظهر بجلاء أن تنفيذ الفتيت لتوجيهات الملك ستذهب بعيدا لإعفاء عدد من المدراء والعمال الخاضعين لوصاية وزير الداخلية، لتصل ربما درجة المحاسبة حتى لرؤساء جماعات ورئيس الجهة إلياس العماري وإعفائه على تفريطه بقوة القانون، وهو الذي كان الموقّع رقم 16 من مجموع الموقعين الـ20 على اتفاقية “الحسيمة منارة المتوسط” قبل سنتين.
وإذا كان التقرير النهائي لـ”مجلس جطو” حول مشاريع الحسيمة والذي قدم بين يدي الملك أمس الثلاثاء، قد أقر فعليا وبالدليل تفريط مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة الذي يترأسه العماري في تنزيل المشروع، بالتأكيد على أن “مبلغ 2,1 مليار درهم خصص كمساهمة من وزارة الداخلية لفائدة المجلس الإقليمي، ومبلغ 600 مليون درهم من وزارة المالية لفائدة مجلس الجهة، دون تحديد المشاريع، المزمع تمويلها بواسطة هذه المساهمات”.
وإذ شدد التقرير على أن “مجلس الجهة توصل بمبلغ 250 مليون درهم من وزارة المالية، لكن ظل مجمدا لمدة سنة كاملة في غياب برنامج للاستعمال، ليتقرر بعد ذلك تحويله إلى وكالة تنمية الشمال من أجل تمويل برنامج طرقي إضافي لوزارة التجهيز”، فإن رئيس الجهة إلياس العماري العائد مؤخرا لحاضرة قيادة حزب “الجرار الأزرق” بعد الاستقالة/التشبث، سيجد نفسه في مرمى مدفع المحاسبة والإعفاء من رئاسة الجهة، وذلك إتماما لمحضر الاستماع له من طرف لجنة التحقيق في المشروع، والذي كشفه بنفسه قبل شهور في تدوينة له بالفيسبوك.
وإذا كان البعض سيستغرب إمكانية عزل إلياس العماري من رئاسة الجهة، التي تباهى -هو نفسه- بوجوده فيها لحظة إعلانه لاستقالته الشكلية من على رأس البام بمقر الحزب، حين قال “بألا أحد قادر على نزعه من منصب الجهة الذي وصله عن طريق انتخابات شعبية ديمقراطية، بخلاف الحزب الذي اختير فيه بإجماع-شكلي-داخلي” إبان رسم الخارطة الجديدة للحزب الأزرق، فإن القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، توقف في عدد من مواده عند طرق وإمكانيات عزل رئيس الجهة في حالة ارتكابه لأفعال مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، من طرف وزارة الداخلية والهيئات التابعة لها في إطار القضاء.
في هذا السياق تنص المادة 66 من القانون المذكور على أن “القضاء وحده يختص بعزل أعضاء المجلس.. وبحل مجلس الجهة”، فيما تأتي المادة 67 لتوضح أكثر طريقة وعملية عزل رئيس الجهة المتورط أو غيره من أعضاء مجلس الجهة في الاختلالات، حيث تنص على أنه “إذا ارتكب عضو من أعضاء مجلس الجهة غير رئيسها أفعالا مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل تضر بأخلاقيات المرفق العمومي ومصالح الجهة قام والي الجهة عن طريق رئيس المجلس بمراسلة المعني بالأمر للإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليه داخل أجل لا يتعدى عشرة (10) أيام ابتداء من تاريخ التوصل”.
وتشدد المادة في فقرتها الثانية أنه “إذا ارتكب رئيس المجلس أفعالا مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، قامت السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بمراسلته قصد الإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليه، داخل أجل لا يتعدى عشرة (10) أيام ابتداء من تاريخ التوصل.. (حيث) يجوز للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية أو لوالي الجهة، بعد التوصل بالإيضاحات الكتابية المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية أعلاه، حسب الحالة، أو عند عدم الإدلاء بها بعد انصرام الأجل المحدد، إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية وذلك لطلب عزل عضو المجلس المعني بالأمر من مجلس الجهة أو عزل الرئيس أو نوابه من عضوية المكتب أو المجلس”.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث تضيف المادة في فقراتها الموالية أن “المحكمة تبت في الطلب داخل أجل لا يتعدى شهرا من تاريخ توصلها بالإحالة.. وفي حالة الاستعجال، يمكن إحالة الأمر إلى القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية الذي يبت فيه داخل أجل 48 ساعة من تاريخ توصله بالطلب..(كما) يترتب على إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية توقيف المعني بالأمر عن ممارسة مهامه إلى حين البت في طلب العزل”.
وتذهب نفس المادة بعيدا بعد عزل رئيس الجهة أو غيره من أعضاء المجلس بالتنصيص والتأكيد على أن “إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية لا تحول دون المتابعات القضائية، عند الاقتضاء”، مضافا لها أيضا نص المادة 74 من ذات القانون التي تشدد على أنه “يترتب على إقالة الرئيس أو عزله من مهامه أو استقالته عدم أهليته للترشح لرئاسة المجلس خلال ما تبقى من مدة انتداب المجلس”.
إن المتابع اليوم لمغرب ما بعد الزلزال السياسي يفهم قليلا من كثير، من مراوغات السياسيين الذين انتهت صلاحيتهم السياسية والشعبية والقانونية، والذي يوجد على رأسهم اليوم إلياس العماري، العائد قبل أيام فقط وبالقوة التي لا تقبل أي تبرير للأمانة العامة لحزب الجرار، حيث ظهر وبشكل مؤكد عودته الاستباقية لمنصبه الذي زهد فيه خلال أقل من شهرين فقط، في محاولة ربما للحصول على حماية معنوية تقيه شر العزل والمتابعة القضائية التي بدأت تهدد عرشه المهزوز، بعد تنبهه لأن الثروة الخيالية ذات المصدر المجهول التي راكمها في رمشة عين لن تستطيع حمايته أمام القضاء والقانون والرأي العام.