هل يمكن وصف نسيان ضمادات في جسم مريض بالخطأ الطبي فقط؟
من باب التبرير المسف البقاء عند حدود هذا الوصف، لأن هذا “النسيان” يستدعي وصفا آخر ادق
ما حدث لزميلتنا مليكة ملاك كان استهتارا يكشف انعدام الضمير المهني واحتقار المريض لدى تجار الصحة حتى لما يؤدي ثمن عملية جراحية ويكون من المشاهير الذين يحظون باحترام الجميع.
فالمصحة الخاصة التي أجريت فيها العملية يجب أن تقدم الحساب وتغلق وأصحابها والطبيب الدي باشر العملية ومساعدوه يجب أن يعرضوا على القضاء ليقول فيهم كلمته العادلة، لأنهم باستهتارهم باتوا مسؤولين عن جريمة قتل بكل تفاصيلها الدرامية التي باتت متاحة للمغاربة جميعا بعد الذي صرحت به الزميلة عقب إجراء عمليتين تكفل بهما الملك محمد السادس شخصيا بعدما وجهت نداء استغاثة عبر الفيسبوك تفاعل معه عدد كبير من المواطنين.
سيكون مثيرا أن لا يكون وزير الصحة قد حرك مساطر المساءلة واتخاذ القرار الواجب بإغلاق مصحة ارتكب فيها خطأ مهني جسيم وتصرف يناقض القسم الطبي وشروط تفويض الاستشفاء كخدمة عمومية، لأن الأمر سيكون بمثابة إخلال بالمسؤولية ودعما للاستهتار بالمرضى وترك الحبل على الغارب، وسيكون غريبا أن لا يكون وزير العدل قد تحمل مسؤوليته وأمر بتحقيق في الواقعة بعدما تأكد أن المصحة تركت جسما غريبا في جسد مريضة أدى إلى إصابته بتعفن وتسمم وألم حتى قبل وفاتها، بل وسيكون من باب اللامسؤولية والمشاركة حتى أن لا يأمر وكيل الملك بالرباط، الذي ما يزال تابعا له، بفتح ذلك التحقيق بعد حدوث الوفاة الناتجة عن الاستهتار وانعدام الضمير والاتجار في صحة الناس. فلا أحد فوق القانون. أو هذا هو المفروض في بلد يعرف إسهالا في الحديث عن القانون.
عدم اتخاذ المتعين في هذه الواقعة ودفع المسؤولين عن قتل الزميلة مليكة معناه شرعنة الاستهتار بحياة وصحة المرضى في المستشفيات والمصحات الخاصة بدون حسيب أو رقيب وتغليب منطق التجارة، الذي قد يأخذ أبعاد جديدة لدى فتح رأسمال المصحات الخاصة ل”مول الشكارة” الباحث عن الربح السريع وغير المعني بالأخلاقيات، وتكريسا لما بات يتكرر في عدد من المستشفيات والمصحات الخاصة وجاءت حالة وفاة الزميلة لتعريه بالكامل فقط، بعدما نقلت الصحافة بعض وقائعه وليس كل الوقائع، لأن الصحافة تنقل عن المواطنين الذين يشتكون ويتكلمون، بينما نعرف أن المسجلين في الرميد من الفقراء ومن لا يتوفرون على إمكانيات، بمن فيهم من لهم تغطية صحية لا يستفيدون منها رغم الاقتطاعات المتعددة، يتعرضون باستمرار لممارسات محقرة لكرامتهم تجعلهم يعيشون مع المرض على أن يلجوا العلاج. وحالات الوفاة بسبب الإهمال والولادة على أبواب المستشفيات والاتجار في المرض داخل المستشفيات العمومية لفائدة المصحات الخاصة والاتجار في أدوية المستشفى العمومي أو ترك كميات هائلة منها تفسد وحرمان المرضى منها وتداخل الخاص والعام في المستشفى العمومي، حتى بعد إغلاق مصحة عصبة القلب، وغير ذلك ليست خافية إلا على من يتغاضى لهذا السبب أو ذاك.
إننا امام حالة تعري فساد القطاع الصحي. والوزير المسؤول عن القطاع نفسه تحدث عن هذا الفساد. ولكنه لم يفعل ما يمكنه القانون من فعله بشكل كامل لوضع حد له. وهناك لوبي قوي له امتداد في البرلمان وفي الأحزاب، بما فيها حزب رئيس الحكومة الذي يدعي الطهر، يمارس ضغوطه القوية على القرار ضد المغاربة جميعا ومن أجل الأرباح الخاصة.
والخطير فيما يجري أن هناك نية مبيتة لإفشال التأمين الإجباري على المرض، وبالأخص نظام رامد المخصص للفقراء والفئات الهشة التي لا يقبل البعض، بعنصرية لا تقل عن عنصرية لوبن وترومب وغيرهما، أن تكون لهم تغطية صحية ويدفعهم إلى عدم الاستفادة. وغير خاف أيضا حجم الفساد في النظام التعاضدي المغربي الذي لم تقم الحكومة بأي شيء لتقويمه ومحاسبة من أغرقوه في الفساد.
ملحوظة في السياق
في آخر لقاء لي بالزميلة مليكة بشارع فال ولد عمير، قبل أن يداهمها المرض، وجدتها تعاني أيضا من الوضعية التي فرضت عليها بعدما تم التآمر عليها في دوزيم ودفعت إلى الخروج من الباب الضيق. كانت قد اشتغلت بعد ذلك هنا وهناك، لكنها لم تشعر أنها مرتاحة في أدوار لا تلائم ميولها وقناعتها رغم العائد المالي. كانت تشعر أن الأبواب وصدت في وجهها وأحكم إغلاقها. وكانت وفاة زوجها، الذي كان مديرا لمركز المفتشين قبل وقت قصير، قد أشعرها بالفقدان والوحدة رغم ابتسامة جميلة لم تفارقها أبدا. كانت اختها وأستاذتي، وزوجة صديقي وأستاذي المناضل المرحوم الحسين حليلي، هي سندها في لحظة فراغ بحجم محنة. وهناك من يتباكون على فقدها اليوم تنكروا لها في هذا الوقت إن لم يكونوا وراء تصفيتها مهنيا قبل أن يقتلها العبث الطبي.