الأخبارمجتمعمستجداتملف الأسبوع

ملف الأسبوع: الزوايا الصوفية وحماية الهوية الدينية لمغاربة الشرق.. الزاوية البوتشيشية نموذجا

الخط :
إستمع للمقال

من قلب جماعة مداغ نواحي مدينة بركان، ترتفع أصوات التكبيرات والابتهالات حمدا وشكرا لرب العالمين، وتعتلي الصلوات على النبي سماء المنطقة، فيمتد الترديد لأقطار مختلفة من العالم، تأثرا بالطريقة الصوفية للزاوية القادرية البوتشيشية التي ذاع صيتها في أرجاء العالم، بما يضمن لمرتاديها طمأنينة روحية وأمنا داخليا، جعل مئات الآلاف بل الملايين يتبعون هذه الطريقة منهجا وتعبدا.

الزاوية البوتشيشية والتي شهدت لنفسها كما شهد لها الكل بالانتشار الواسع في المغرب وفي باقي القارات من العالم، كانت واحدة من ضمن عدد كبير من الزوايا الدينية المغربية، التراثي منها والحديث المنشأ، والتي كانت ومازالت تمارس دورا يتجاوز الديني إلى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأخلاقي، محققة بذلك وظائف مختلفة من خلال مواسم مستمرة ولقاءات تواكب المناسبات الدينية والوطنية.

الزوايا التي تشتهر بشرق المملكة أغلبها يجد صدى واسعا له ويبقى من أهمها الزاوية القادرية البوتشيشية والزاوية الكركرية والزاوية الدرقاوية والدرفوفية، وغيرها من الزوايا الأخرى التي ظلت تخدم المواطن والقضايا الوطنية المصيرية، وهو ما يذكره التاريخ لدى الزاوية البوتشيشية التي ساهمت وبشكل كبير سنة 2011 من خلال النزول بثقلها من أجل الحفاظ على المقدسات المغربية والحفاظ على الهوية المغربية.

الزاوية البوتشيشية كزاوية دينية، استطاعت نشر طريقتها إلى العالم من خلال احتضانها لعدد كبير من الندوات والملتقيات العلمية العالمية والاستثنائية في العالم الإسلامي، محافظة بذلك على التوجه الصوفي المعتدل، الداعي لقيم التسامح والعدالة والمحبة والسلام، وهي القيم التي دعا إليها أولياء الله الصالحين من مؤسسي كل الزوايا بالمغرب، والذين يعدون بمائة ألف ولي، هدفها احتواء التطرف الديني الذي بات يهدد مناطق مختلفة من العالم في السنوات الأخيرة.

في هذا الصدد يوضح الدكتور بلقاسم جطاري الباحث في التراث واللغات بالمغرب، أن “دور رجالات التصوف والصالحين لم يقتصر على كونهم زهادا فقط بل ما ميز في نظري ممارستهم، هي قدرتهم على الجمع والتوفيق بين أدوار ووظائف تتوزع ما بين الديني والعلمي والاجتماعي والاقتصادي والأمني وهذا الإدماج يضفي على سلطة الأولياء والصلحاء جاذبية خاصة.. وهي السلطة التي يستند فيها الصلحاء عبر التاريخ إلى شرعية ما يسمى بالواجب الأخلاقي، وهو ما جعل دورهم حاجة اجتماعية مطلوبة بالخصوص في فترات الأزمات الداخلية والأزمات التي تعرفها المجتمعات خاصة الكائنة بالأرياف”.

ويكشف جطاري في حديثه لـ”برلمان.كوم” أن “وجود الصلحاء في المجتمع المغربي شكل حاجة ضرورية لهذا المجتمع، من أجل تدبير جوانب حياتية دينية سياسية واقتصادية واجتماعية.. هذه الأدوار التي يتمتع بها الصلحاء والصوفية نابعة من موقعهم كشفعاء وكوسطاء فرضتها الظروف الموضوعية والشرعية، والأخلاقية، التي حازوها، مما جعلها تساهم في فرض حد معقول من السلم والأمن وهو ما سمح للمجتمعات الريفية التي ظهر فيها الأولياء والصلحاء بأداء وظائفها الطبيعية، والاستمرار في نوع من النشاط المؤسساتي في نزر هاته الزوايا”.

https://youtu.be/kRGs1uxA7hs

المتخصص في مجال الزوايا الدينية، أوضح كذلك أن “مؤسسة الولاية والصلاح المغربية التصقت أيضا بوظائف الإيواء والإطعام والتكافل الاجتماعي، فأصبحت خاصية رئيسية وأصبحت معاشا، للفقراء والفقهاء والصوفية، وفتح الأولياء منازلهم وآوو الوافدين والمقيمين من طلبة العلم والمسافرين والحجاج وكل الضعفاء وكانوا يشفقون على يتامى المسلمين”.

ومن تم فإن الزوايا بالمغرب وخاصة منها التي ترتكز بشرق المملكة، تظل فضاء مفتوحا لنشر قيم فاضلة تحقق الأمن الروحي والسلم الذهني لدى المغاربة، الذين باتوا يحجون إلى مواسم هذه الزوايا بشكل تلقائي، من أجل تحقيق الغذاء الروحي اللازم، يضيف جطاري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى