إسبانيا تواجه صعوبات في تشكيل حكومة وحدة تحت تهديد شبح الانفصال
تعيش إسبانيا إحدى اللحظات الأكثر حرجا في تاريخها. إذ تواجه الارتباك الناتج عن عدم فوز أي من الحزبين الحكوميين بالأغلبية البرلمانية في الانتخابات التي جرت في دجنبر المنصرم، وعدم قدرة أي منهما على تشكيل حكومة منسجمة وقوية في حجم التحديات التي تواجهها إسبانيا حاليا.
ذلك أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة غيرت الخريطة التقليدية القائمة على تنافس الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي العمالي بدخول بوديموس على الخط كقوة سياسية وازنة، ومعه مجتمع مدني منظم ومعادي لليبرالية.
وتواجه إسبانيا في ظل هذا الارتباك خطر تنامي التحركات الانفصالية في كاتالونيا، حيث يتجه الانفصاليون بإصرار وتحدي نحو تجسيد مشروعهم الهادف إلى فك الارتباط بإسبانيا رافضين أي حوار أو تنازل.
هكذا تمكن الانفصاليون ليلة السبت 9 يناير من اختيار رئيس مقبول من طرف مكونات الجبهة الانفصالية في شخص الصحفي كارلوس بويكديمون بعد انسحاب آرثور ماس، كتنازل منه للمكونات اليسارية التي تعترض عليه وتتهمه بتبني خيارات ليبرالية متوحشة وبالفساد، وبذلك أفشلت جبهة الانفصاليين رهان راخوي على عدم تمكنها من حسم خلافاتها في الأجل المحدد ( 9 يناير في 12 إجراء ليلا) وتحاشت إجراء انتخابات مبكرة يمكن، لو أجريت الآن، أن تسفر عن مفاجآت غير سارة لها، نظرا لوجود رأي عام بكاتالونيا متخوف من الانفصال وآثاره المتعددة المحتملة، مع العلم أن الانفصاليين لم يكونوا قد فازوا بأغلبية أصوات الناخبين أصلا في الانتخابات التي جرت في كاتالونيا شتنبر الماضي ( 47 في المائة من الأصوات فقط)، لكن النظام الانتخابي مكنهم من الفوز بأغلبية المقاعد (72 مقعدا).
ورغم أن الانفصاليين خطوا خطوة في اتجاه تحقيق مشروعهم، فلا شيء لحد الآن يشير إلى قابليته للتحقق والنجاح، إذ يجمع الملك والحكومة والجيش والقوى السياسية الأساسية على ضرورة حماية وحدة البلد والتصدي للنزعة الانفصالية في كاتالونيا، التي قد تنتقل عدواها إلى مناطق أخرى، وبالأخص بلاد الباسك.
وإذا كان الحزب الشعبي يعبر عن رفضه البات لأي حوار مع الانفصاليين ويؤكد أن وحدة إسبانيا خط أحمر، فإن الحزب الاشتراكي وبوديموس، اللذين يعارضان بدورهما الانفصال، يبدوان أكثر مرونة ويقدمان مقترحات لتذويب الخلاف مع الانفصاليين، إذ يقترح الحزب الاشتراكي العمالي إيجاد حل لهذا الخلاف باعتماد صيغة فيدرالية، بينما يمضي بوديموس إلى حد القبول بالاستفتاء الذي يشترطه إخوان أرتورماس.
وفي كل الأحوال، تبقى الوضعية حرجة جدا في إسبانيا، حيث قرر الانفصاليون السير في طريق الطلاق مع اسبانيا في مدة 18 شهرا، وهو ما بات مصدر توتر داخل كل المؤسسات الاسبانية التي تعتبر هذا التوجه خطيرا ويجب التصدي له بكل الوسائل، وهناك دعوة للأحزاب الكبرى لتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن الحزب الاشتراكي العمالي عبر عن رفضه لأي ائتلاف مع راخوي ويبدي استعدادا لتشكيل الحكومة في حال فشل راخوي في تشكيل أغلبية.