يتميز شهر رمضان برمزيته الدينية، بالنظر لتعدد الأحداث التاريخية الإسلامية التي طبعت هذا الشهر، من قبيل الفتوحات الإسلامية التي أعقبتها مجموعة من المعارك، ويشار إلى أن الهدف الذي تنشده بالدرجة الأولى هذه الأخيرة هي الدعوة لاعتناق الإسلام، وكبح جماح الكفر الذي كان يستوطن المدينة المنورة.
لا يخفى على أحد أن غزوة بدر الكبرى، تعد واحدة من أهم المحطات التاريخية المهمة التي تتميز برمزية خاصة بالنظر للظرفية المرافقة لها، ودورها الأساسي في جعل الإسلام ينتشر على نطاق واسع.
ففي هذا الشهر المبارك، كانت الكثير من الأحداث العظام في تاريخ أمة الإسلام، منها معارك كثيرة كان النصر فيها حليف المسلمين، ويذكر أن خير معارك هذا الشهر الكريم وأشهرها على الإطلاق معركة بدر الكبرى، كونها شكلت معركة الفرقان حيث أعز الله فيها الإسلام وأهله وأذل معتنقي الشرك والداعين له.
وقد قعت معركة بدر الكبرى يوم السابع عشر من رمضان من العام الثاني للهجرة النبوية المباركة، وذلك بعدما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان بن حرب قادم بقافلة تجارية لقريش من الشام تحمل أموالا عظيمة، وفي هذه الظرفية كانت الحالة بين المسلمين وقريش حالة حرب، الأمر الذي يبيح الحصول على أموال العدو.
وكان المسلمون من قبل ذلك قد علموا أن قريش استولت على أموالهم بمكة، وهذا يعني أن جزءا من هذا المال الموجود بالقافلة كان من مال المسلمين.
التخطيط المحكم للمعركة:
جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين للقتال خطة لم تكن موجودة من قبل، وهو أسلوب جديد على العرب والعجم جميعا، يتناسب مع حال المسلمين.
بخصوص هذه الخطة يقول المؤرخ الدكتور علي الصلابي “يقف المقاتلون على هيئة صفوف الصلاة، وتقل هذه الصفوف أو تكثر تبعًا لقلة المقاتلين أو كثرتهم. وتكون الصفوف الأولى من أصحاب الرماح لصد هجمات الفرسان، والصفوف التي خلفها من أصحاب النبال، لتسديدها من المهاجمين على الأعداء”.
وهذا الأسلوب يعطي للعدو انطباعا مخيفا عن قوة هذا الجيش، وعن مدى تنظيمه، كما يجعل القيادة كلها بيد القائد الأعلى وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجعله مطلعا على كل ما يدور بالمعركة.
كما أنها تجعل بيد القائد قوة احتياطية ليعالج بها المواقف المفاجئة، و”إن قوى المقاومة اليوم لمطالبة بأن تنظر إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزواته، نظرة سياسية وعسكرية واستراتيجية، خصوصا وأن قوى المقاومة قد استفادت من هذه الرؤية النبوية بتبنيها استراتيجية قتال الشوراع التي تنهك العدو وتصيبه بالهلع والخوف”. يضيف الصلابي.
تعظيم الجنود للقيادة:
لقد اقترح الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضى الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يبنوا له عريشا يكون مقرا له صلى الله عليه وسلم، ويكون العريش على مكان مرتفع مشرف على ساحة القتال، فوافق النبي الكريم عليه الصلاة والسلام على الفكرة الطيبة.
وكان سعد بن معاذ ومجموعة من شباب الأنصار يحرسون العريش، وفي هذا الفعل إظهار لمكانة القائد عند الجنود وإرسال رسالة ضمنية للعدو، بأن كل أفراد الجيش مستعدون للموت دون تلك القيادة.
الأمر الذي يبين أن قوى المقاومة والجهاد قد تعلمت هذا الدرس جيدا واستوعبته، فنرى الجنود يقدمون أنفسهم بين يدى قادتهم.
الدور الضخم للإعلام المقاوم:
لا يستطيع ذو عقل أن ينكر دور الإعلام في أي مرحلة من مراحل الصراع مع العدو في المعارك والفتوحات الإسلامية، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرك دوره، خصوصا أن الإعلام الإسلامى بدأ في الظهور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم منذ الهجرة وبرز أكثر مع بدء حركة “السرايا”.
ويشار في هذا السياق إلى أن الشعر كان يمثل الحملات الإعلامية المؤثرة لدى العرب، فيرفع أقوامًا ويخفض آخرين، ويشعل الحروب ويطفئها.