اخبار المغربرأي في قضيةمستجدات

إنه الاقتصاد يا غبي

الخط :
إستمع للمقال

من يتأمل الإعفاءات الجماعية وقرارات التنصيب الجديدة التي تقوم بها إدارة ترامب داخل كل مؤسسات وأجهزة الدولة يخرج بخلاصة واحدة تجسدها تلك الجملة الشهيرة التي استخدمت على نطاق واسع خلال الحملة الانتخابية الناجحة لبيل كلينتون ضد جورج بوش الأب عام 1992، والتي تقول It’s the economy, stupid‏ والتي تعني «إنه الاقتصاد، يا غبي».

وبالنسبة للإدارة الأمريكية الحالية فكل وزير أو سفير أو رئيس مؤسسة فدرالية هو وكيل تجاري مهمته الأولى والأساسية هي تحقيق الأرباح للشركة القابضة التي ليست شيئا آخر سوى الولايات المتحدة الأمريكية التي يوجد على رأس مجلس إدارتها رجل أعمال اسمه دونالد ترامب.

خلال الإدارات السابقة تجمع القادة الأمريكيون خلف حوالي 200 ملياردير من الذين يمتلكون بمفردهم الغالبية المطلقة من ثروة سكان الكرة الأرضية. وقد أطلقوا منتدى اسمه دافوس يجتمعون حوله مثل تلاميذ نجباء لكي يتلقوا الوحي حول بشارة سوروس حول مشروع «المجتمع السائل» حيث تتلاشى الحدود بين الدول ويصبح مواطنو العالم رهائن عند حوالي عشرة من الأثرياء الذين يحتكرون ثروات العالم.

كانت فكرة جورج سوروس هي تحقيق مشروع «المجتمع السائل» عبر العولمة النيوليبرالية، سوى أن هذا المشروع أفرز فائزين كبيرين لم يكن يتوقعهما أحد، الأول هو الصين، والثاني هو الهند. بينما كان الخاسران هما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

مهمة ترامب الأساسية خلال هذه الولاية والولاية التي ستليها هي تفكيك مشروع جورج سوروس وتحويل «المجتمع السائل» إلى مجتمع جامد، حيث كل قارة تدبر مبادلاتها التجارية داخل حدودها، وقد بدأ هذه الخطة بفرض الرسوم الجمركية على الجميع. غير أن المستهدف الأساسي من هذه الحمائية القاسية هي الصين، أما بقية دول العالم، خصوصا أوروبا، فسيتم التفاوض معها بشكل انفرادي، وهذا بحد ذاته ضربة قاسية للاتحاد الأوروبي الذي ظل يفاوض على مصالحه كاتحاد وليس كدول معزولة.

ولذلك فخطة ترامب مع الرسوم الجمركية هي من أجل «إغراق السمكة الصينية»، وترامب لا يستطيع معاقبة الصين بمفردها، لأن هذه الخطة ستكون مكشوفة، وستكون هناك شكوى إلى منظمة التجارة العالمية، وقد قدمت الصين بالفعل شكوى.

ولذلك فلا شيء من تلك الرسوم الجمركية التي ظهر ترامب يحملها كقائمة طعام سيبقى. الرسوم الوحيدة التي ستبقى هي الرسوم على الصينيين، والتي هي بالمناسبة الأعلى في الجدول. ترامب هو «الكوبوي» الأمريكي الذي جاء لكي ينهي التجارة الحرة والعولمة التي خلقت وحشا اسمه الصين، والتي تستعد لتجاوز أمريكا في الصف.

وتكفي العودة إلى عام 2018 لكي نتذكر كيف أن ترامب طلب اعتقال مديرة شركة هواوي، بعدما كانت على وشك تجاوز مبيعاتها لمبيعات هواتف آبل، وقد تم اعتقالها من قبل الكنديين بأمر من ترامب، بذريعة أن مجموعة هواوي قامت بأعمال في إيران، وقد تم سجنها لمدة عامين. وقد كان هذا هو الفصل الأول من الحرب بين الولايات المتحدة والصين.

ثم فر فيروس كورونا من مختبر صيني، وتم إغلاق العالم، وتنامت شكوك حول مسؤولية الأمريكيين في تسريبه بهدف تحميل الصين المسؤولية.

وفي الوقت الذي يقدم ترامب نفسه كحمامة سلام ويعد بوضع حد للحروب في أوكرانيا وغزة واليمن، نرى كيف أن صوت المدافع لم يهدأ في كل هذه البلدان، بل على العكس، ما حدث هو أنه أمر بقصف الحوثيين في اليمن، وأطلق يد نتانياهو في غزة، ومنح بوتين تفويضا بمواصلة حربه على أوكرانيا. وفي خلال ذلك لم يتوقف عن مطالبته لأوروبا بأن تتسلّح لأن أمريكا لم تعد تريد تمويل الحرب، وأن عليهم تدبر أمورهم بأنفسهم لأن أمريكا لديها حربها الخاصة، فالولايات المتحدة تخوض «اقتصاد الحرب». والرسوم المفروضة على الصين هي موجهة للشركات التي لا تزال تصنّع في الصين. فهو يقول لهم «تعالوا وصنعوا في الولايات المتحدة، تعالوا وصنعوا العناصر الاستراتيجية، مثل الرقائق الإلكترونية، المعالجات الدقيقة، كل شيء ضروري للصناعة العسكرية، يجب أن يكون في الولايات المتحدة». وطموح ترامب نحو جزيرة غرينلاند هو أيضًا من أجل التسلح. إنه ممر استراتيجي في الشمال، مثل قناة بنما. إذا أمريكا تضع نفسها في وضع حرب. وكما اعتادت أن تملي على أوروبا الشروط منذ الحرب العالمية الثانية، فهي تملي عليها الآن أيضا الشروط الجديدة، والتي لا تخرج عن إطار «تسلّحي، تسلّحي يا أوروبا، ودافعي عن نفسك». وطبعا فهذا التحذير يتم على خلفية الأشباح التي يحركها البيت الأبيض من وراء الستار لتخويف الأوروبيين، وأهمها شبح الدب الروسي الذي يوشك أن يلتهم أوروبا. وقد أعطى هذا التخويف نتائجه المرجوة، فهناك توجه في فرنسا للموافقة على التصويت على ميزانية عسكرية تبلغ 700 مليار يورو في أوروبا، وهي ميزانية توازي الميزانية الأمريكية الضخمة. وبالنهاية فترامب يتظاهر بأنه يتشاجر مع أوروبا على أمل أن يصدّقه الصينيون. وفي الواقع فالأوروبيون لازالوا تحت السيطرة الأمريكية. فالأمريكيون هم من يريدون الحرب، لكنهم يأمرون الأوروبيين بالتسلح ووضع ميزانية للحرب من أجل خوض حربهم. إذا هذه الحرب ليست أوروبية، بل أمريكية. لكن الأوروبيين يوجدون في وضعية الاستعداد العسكري لخوضها بالوكالة. كل هذا من أجل وضع اليد على طرق التجارة والسيطرة على المعابر المائية لمحاصرة التنين الصيني الذي يوشك أن يبتلع العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى